03 نماذج خطبة جمعة عن الهجرة النبوية الشريفة
المحتويات:
1 نموذج خطبة جمعة حول هجرة الرسول
2 نص خطبة عن الهجرة النبوية الشريفة
3 صيغة خطبة حول هجرة النبي محمد صلى الله عليه و سلم الى المدينة المنورة
يقدم لكم موقغ ثروتي هذا الموضوع حول 03 نماذج خطبة جمعة عن الهجرة النبوية الشريفة من خلال عرض نموذج خطبة جمعة حول هجرة الرسول نص خطبة عن الهجرة النبوية الشريفة و صيغة خطبة حول هجرة النبي محمد صلى الله عليه و سلم الى المدينة المنورة.
1 نموذج خطبة جمعة حول هجرة الرسول :
إن الهجرة النبوية تعتبر من أهم الأحداث التاريخية في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين. فقد كانت الهجرة تحمل في طياتها العديد من الدروس والعبر التي يمكننا استقاءها وتطبيقها في حياتنا اليومية. هذه الخطبة ستتناول أهمية الهجرة النبوية وكيفية استلهام العبر والدروس منها لتطوير حياتنا وتحقيق النجاح والتفوق في مختلف المجالات. سنتعرف على قصة الهجرة والمعاني العميقة التي تحملها من تضحية وإيمان وصبر وعزم على تحقيق الهدف المنشود.
المقدمة:
الحمد لله الذي لا يحصى، والتسبيح لله في كل حين، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، وأعان عبده، وأنصر جنده، وأذل أعداءه، لا إله إلا الله ونحن نعبده بإخلاص رغم كراهية الكافرين، وصلى الله وسلم على النبي محمد وآله وأصحابه. أوصيكم، أيها الأحبة في الله، بتقوى الله العظيم، والالتزام بطاعته، وتجنب نواهيه. احذروا قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” (سورة الحشر: آية 18).
إخوتي الكرام، سأتحدث اليوم في خطبتي عن الهجرة النبوية، والتي تعد من أهم الأحداث في تاريخ الإسلام، إذ كانت نقطة تحول كبيرة في رحلة الإسلام من دعوة إلى دولة، حيث أصبحت للفكرة قوة تدافع عنها وتساهم في نشرها بشكل مؤسسي، وشهدت تغييراً كبيراً من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوة والازدهار.
أيها الأحبة، كانت هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يثرب خطوة ضرورية بعد استنفاد جميع سبل الدعوة للإسلام في مكة، وفشل محاولة إقامة الدولة الإسلامية هناك. قبل الهجرة، حاول النبي -صلى الله عليه وسلم- عرض الدين على قبائل الطائف وزوار مكة في مواسم الحج دون جدوى. وعندما شاء الله أن ينشر رسالته، استجاب ستة شباب من يثرب إلى دعوته بينهم اثنا عشر رجلًا. بايعهم النبي بيعة العقبة الأولى، ثم عادوا العام التالي بعد أن ارتفع عددهم إلى ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتان ليبايعوا بيعة العقبة الثانية، وهكذا بدأت رحلة الهجرة.
أيها الأحباب، أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بالهجرة إلى يثرب، فخرجوا بشكل فردي وجماعي وسري، تاركين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعض المسلمين مثل أبو بكر -رضي الله عنه- خلفا. كان النبي يستأذن للخروج، ولكنه أمر أبا بكر بالبقاء عسى أن يكون له صاحب. لاحظ المشركون هجرة المسلمين وحاولوا قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- ليمنعوه من الوصول إلى أصحابه وتجميع قوتهم. ومع ذلك، نجا النبي -صلى الله عليه وسلم- بتدبير الله من مكرهم. درس توكلنا على الله واعتمادنا عليه بوضوح خلال هذه الأحداث، حيث قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتحضير الكامل للوسائل الدنيوية مع الاعتماد الكامل على الله -عز وجل-. أثناء التحضير، جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أبو بكر -رضي الله عنه- وأخبره بأهمية التجهيز للهجرة في وقت غير مشبوه في مكة لتفادي الاشتباه، وبدأ أبو بكر في تجهيز راحلتين لهذا الغرض.
عندما عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته ليبدأ رحلة الهجرة ليلاً، انتشرت قريش حول البيت النبوي بحوالي أحد عشر رجلاً من كل قبيلة في مكة. طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- من علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن ينام في فراشه ويلبس بردته، ليشكل غطاءً يوهم المُحاصرين بأنه لا يزال في البيت. وهنا تبرز درجة اعتماده الكامل على الله -سبحانه وتعالى- عندما توقفت الوسائل المادية، فخرج من بينهم بينما كانوا نائمين، مروراً فوق رؤوسهم دون أن ينظروا إليه.
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مستعدًا جدًا، حيث استأجر عبد الله بن أريقط، الذي كان يعرف البلاد الصحراوية تمامًا، لإرشادهما عبر طرق قصيرة غير معروفة للناس. وقرر النبي -صلى الله عليه وسلم- التوجه جنوبًا بدلاً من الاتجاه الشمالي نحو يثرب، كما انتظر في غار ثور لثلاثة أيام حتى يهدأ البحث عنهم، وذلك كان من ضمن استعداداتهم قبل الهجرة.
تم تكليف عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- بالإقامة معهما وبالابتعاث في برية مكة لجلب الأخبار. وكان عامر بن فهيرة، المولى لأبي بكر، يأتيهما في المساء بغنمه، حيث يأخذان من حليبها، ثم يلحق بغنمه آثار عبد الله بن أبي بكر ليمحوها. وعلى الرغم من ذلك، وصلت قريش إلى باب الغار ووجدنا أبا بكر -رضي الله عنهما- يصف الموقف وهو يخاف على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول: “قُلتُ للنَّبي صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا في الغَارِ: لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: ‘ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا'”. يظهر هنا الاعتماد الكامل على الله -سبحانه وتعالى- من جديد. وبعد أن ضعف الطلب، خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في رحلتهما إلى يثرب، في رحلة غير مألوفة.
أثناء رحلتهم، تعثر سراقة بن مالك، الذي كان يسعى للفوز بجائزة الإبل التي عرضتها قريش والبالغة مئة إبل للفائز، حيث تعثرت فرسه مرة وانزلقت قدماها في الرمال في محاولتها الثانية، وعندما جاءت ريح بدخان، أدرك أنه لن يتمكن من الوصول إليهما. فطلب الأمان، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتابة عهد الأمان له، وقيل أنه كُتب له بسواري كسرى. واستمرت الرحلة الكريمة بإحاطة رعاية الله بهم حتى وصلوا إلى قباء في يوم 8 من ربيع الأول من السنة الرابعة عشرة للنبوة -العام الأول للهجرة-. وبقوا هناك عدة أيام قبل أن يواصلوا سيرهم نحو يثرب، التي سُميت بعدها بالمدينة المنورة تكريماً للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقامة لروحه النبوية الراقية.
الخطبة الثانية :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي يستحق الشكر والثناء، والصلاة والسلام على خير خلق الله، نبينا محمد، وعلى من اتبعهم في الإيمان إلى يوم الدين. أما بعد، فإن الهجرة النبوية تعد لحظة تاريخية حاسمة أدت إلى تحول الإسلام من مجرد فكرة إلى دولة، وقد أشاد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بأهمية هذا الحدث الكبير وربط تاريخ الإسلام به. في هذه الرحلة العظيمة، تجلى تواجد الثقة الكاملة بالله -سبحانه وتعالى-، حيث استخدم الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- كل الوسائل المتاحة لكنه علم بأن النجاح الحقيقي يأتي بإذن الله وحده. كانت مكافأة الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- واضحة حينما ضاقت بهم السبل، مما يعكس الرسالة العظيمة لكل مسلم بأنه ينبغي أن يعمل بجد وتفانٍ وأن يثق في عون الله وتوفيقه في كل مسعاه.
2 نص خطبة عن الهجرة النبوية الشريفة :
الحمد لله
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله : يقول الله تبارك وتعالى : {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].
كانت الهجرة النبوية من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة حدثًا تاريخيًا هامًا بلا مثيل، إذ جسَّدت تحولًا كبيرًا في دعوة الإسلام بين مرحلتين مهمتين: المكية والمدنية. تحكي الهجرة قصة عظيمة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وقامت في أماكن مقدسة كمكة والمدينة. غيرت الهجرة مجرى التاريخ وأحملت معانٍ قيمة كالتضحية والفداء، الأخوة والصحبة، الصبر والنصر، والتوكل واليقين. كانت فاتحة للخير ومنارة للنصر، حيث رفعت راية الإسلام وأنشأت دولة إسلامية ممتدة الأفق.
قريش لم تدر ما أذن الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة. وخلال مداد المؤامرات التي كانوا يحيكونها، غادر النبي صلى الله عليه وسلم بيته في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر، السنة الرابع عشرة لبعثته، وذهب إلى بيت أبي بكر رضي الله عنه في وقت الظهيرة، وهو متخفٍ كي لا يُلاحظ. أخبره بأن الهجرة قد حانت. أبو بكر خشي أن يُحرم من شرف مرافقة النبي، فاستأذن في الصحبة فوافق عليه. كان قد أعد اثنتين من الراحلات جاهزتين للهجرة. واستأجر رجلاً مشركًا من قبيلة بني الديل، يُدعى عبد الله بن أُريقط الليثي، خبيراً بالطرق، وسلّم إليه الراحلتين ليرعايتهما. تفقا على اللقاء في غار ثور بعد ثلاث ليال. بينما كنت عائشة وأسماء شقتان نطاقها إلى نصفين لتخبئا فيه الطعام، وباتت تُعرف بذات النطاقين منذ ذلك الحين. أمر النبي علي بن أبي طالب بالبقاء لتسليم ودائع الناس وأماناتهم، وأن يرتدي بردته ويبيت في فراشه تلك الليلة للخداع. ثم غادر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه من باب خلفي، ليخرجا من مكة قبل أن يطلع الفجر.
عندما علم النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن الانتباه سيكون نحو الطريق الذي يؤدي إلى المدينة شمالاً، قرر أن يأخذ الطريق المعاكس الذي يتجه جنوباً نحو اليمن، وصولاً إلى جبل ثور. وبدأ المشركون في تتبع آثاره وآثار صاحبه، يفحصون الطرق ويتنقلون في جبال مكة حتى وصلوا إلى غار ثور. وخلال تلك اللحظات، وبينما كان النبي وصاحبه في الغار، قال أبو بكر رضي الله عنه: ” لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا!”، فقال صلى الله عليه وسلم: « يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما»” صحيح البخاري. واستمر النبي وصاحبه في البقاء بالغار لمدة ثلاث ليالٍ حتى انقطعت عنهم البحث، ثم خرجا من الغار في ليلة غرة ربيع الأول في السنة الرابعة عشرة من بعثته، وهما تحت رعاية الله.
من ناحية أخرى، لم يهدأ كفار قريش في محاولتهم للبحث عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه، سعيًا للقبض عليهم أو قتلهم. قاموا بتوجيه أهل مكة ضدهم وعرضوا مكافأة قدرها مائة ناقة لمن ينجح في القبض عليهم. وفي تلك الأثناء، نجح أحد المشركين في رؤية النبي من بعيد، فتوجه على الفور إلى سراقة بن مالك وأخبره: “لقد رأيت أشخاصا على الساحل وأعتقد أنهم محمد وأصحابه”. فعرف سراقة أنهم هم المقصود. فاستعد فرسه ورمحه وانطلق بسرعة نحوهم، لكن عندما اقترب منهم، تعثرت فرسته وسقط. حاول مرة أخرى وسقط مرة ثانية، ولكن رغبته في الحصول على المكافأة جعلته يصمد ويحاول من جديد. فعندما غاصت قدما فرسته في الأرض إلى الركبتين، عرف أنهم تحت حماية الله. طلب الأمان منهم وعاهدهم بالسرية. فمنحه النبي صلى الله عليه وسلم الأمان ووعدته بسواري الكسرى. وأوفى سراقة بوعده، وكلما جاء أحد يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أوجهه بالرجوع واحتفظ بسرهم.
أثناء سيرهما إلى المدينة، نزل الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه بجوار خيمة “أم معبد”، وسألاها عن وجبة طعام. ردت بأن لديها شاة هزيلة لا تنتج لبنًا. فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الشاة ومسح ضرعها بيده، ثم دعا الله ليرزقها بالبركة، ومن ثم شارك الجميع في تناول الطعام.
هذه الهجرة المباركة، التي اكتنفتها المصاعب والمعجزات، انتهت بوصول النبي صلى الله عليه وسلم بسلام إلى المدينة المنورة. كانت هذه الهجرة النبوية الشريفة بمثابة بداية لبناء دولة الإسلام وتعزيز دين الله. تجسدت فيها بداية النصر والبركة على الإسلام والمسلمين. دروس الهجرة الشريفة لا تنتهي، وتستمر في إرثها للأجيال القادمة، ومن بثمار تلك الدروس:
عظم دور المرأة المسلمة في الهجرة فقد لمعت في سماء الهجرة أسماء كثيرة فهذه عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، التي حفظت لنا القصة ووعتها وبلغتها للأمة، وهذه أختها أسماء ذات النطاقين، التي ساهمت في تموين الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار بالماء والغذاء، وكيف تحملت الأذى في سبيل الله، كما روى ابن إسحاق وابن كثير في السيرة النبوية أنها قالت: “لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم فقالوا: “أين أبوك يا بنت أبي بكر؟” قالت: قلت: “لا أدري والله أين أبي؟”، قالت: “فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشًا خبيثًا فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي” قالت: ثم انصرفوا”.
درس مستمر تتوارثه نساء المسلمين من جيل إلى آخر يتجلى في دور عائشة وأسماء رضي الله عنهما خلال حادثة الهجرة. كانتا داعمتين قويتين لأمر الهجرة، حيث لم يترددا في دعم أبيهما أبو بكر رضي الله عنه وهما يدركان خطورة التحدي الذي يواجههما. بالإضافة إلى تجهيزهما للرحيل بشكل كامل دون الكشف عن سر الرحلة.
من خلال التفكير في حادثة الهجرة وعملية التخطيط لها، يظهر وضوحًا حسن توكل النبي صلى الله عليه وسلم على الله، ويقينه بأن الله هو الحافظ والناصر لدينه. التوكل لا يعني تخليًا عن الاستعداد والتدابير، إذ أدرك النبي أهمية اتخاذ الإجراءات العادية مثل الخفاء والاستعداد وتجهيز الضروريات للرحلة. ومع ذلك، يجب على الإنسان أن يدرك أن نتائج الأمور تعتمد في النهاية على إرادة الله، ولذلك يجب عليه الاعتماد على الله وأخذ الاحتياطات الواجبة.
وفي قول أبي بكر رضي الله عنه” يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه؟!”، فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما»”، يقول النووي: “وفيه بيان عظيم توكل النبي صلى الله عليه وسلم حتى في هذا المقام، وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وهي من أجَّل مناقبه”.
وفيه اثبات معية الله لخلقه فالمعية الخاصة بأوليائه وخلص أصفيائه بحفظه ونصره فهو مع الذين اتقو والذين هم محسنون ومع الصابرين أما العامة فهي لكل أحد (وهو معكم أينما كنتم). فهو مع خلقه بعلمه وأحاطته وسمعه وبصره سبحانه.
في سياق هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حدثت معجزات حسية تعتبر علامات واضحة على نبوته ورفعته، وتوكيد لحفظ الله ورعايته له. تمثلت هذه المعجزات في مواقف مثل اللتي حدثت مع أم معبد وسراقة بن مالك. فمع أم معبد، دعا النبي صلى الله عليه وسلم بركة على شاة هزيلة، فاشتدت حالتها وظهرت عليها علامات الشحم وتمكن المسلمون من الحليب، وهذا الحدث ساهم في إسلام أم معبد وزوجها.
ويذكر أبو بكر رضي الله عنه الواقعة التي حدثت مع سراقة بن مالك حيث قال: “بعد غروب الشمس انطلقنا وتبعنا سراقة بن مالك، وقلت: “أتينا يا رسول الله”. فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تحزن، إن الله معنا”. ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم له، فانطلقت فرسه وجرت به إلى بطنها، وطلب النبي منهما الدعاء له، فدعوا له ونجا، ولاحظوا أنه بعد ذلك كان يقول لأي شخص يقابله: “كفيتكم ما هنا”، ويعيد النبي: “وفى لنا”. ورد هذا الحديث في البخاري. كما يروي أنس أن سراقة كان خلال النهار يعترض النبي محمد بشدة ويتعرض له بطريقة عدوانية، وفي المقابل كان ينصره ويساعده خلال الليل.
ديننا الإسلامي مليء بالعجائب والمعجزات التي تثبت رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتظهر عظمته والحفاظ الإلهي عليه. تلك الحوادث والمواقف النبوية تعطينا دروساً قيمة في الإيمان، الثقة بالله، والتفاني في سبيل الحق والدفاع عنه.
ومرت الأيام وأسلم سراقة بعد فتح مكّة وحنين، وفتحت بلاد فارس وجاءت الغنائم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأعطاه عمر سواري كسرى تنفيذًا لوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النَّجم:3-4]
الماوردي قال: “من بين معجزاته صلى الله عليه وسلم: حصانته من أعدائه الجموع الكثيرة، الذين كانوا يحملون حنقا وطلبًا شديدًا لنفيه، وبالرغم من وجوده بينهم بقوة وسلطة، كانوا يحيطون به ويتهجمون عليه ولكن أبصارهم ترتد شر العيون، وأيديهم تراجع خوفا، ولقد هاجر أصحابه تحذيرًا حتى قضى ثلاث عشرة سنة بينهم، ثم خرج منهم سالمًا تمامًا، دون أن تُلوثه كلمة أو عمل. وهذا لم يكن إلا بفضل الله وحمايته له كما وعده: “والله يعصمك من الناس”، فحقق الله وعده وحماه منهم.”
بخصوص صراع بين الحق والباطل، فإنه صراع قديم وممتد يستمر بسنة إلهية، حيث قال الله: “الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الله الناس ببعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.” ولكن هذا الصراع محتوم ومعلوم النهاية، كما قال الله: “كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز.”
ومكر وكيد أعداء الإسلام بالدين وأهله أمر مستمر ومتكرر في كل زمان ومكان، فعلى الداعية إلى الله أن يلجأ إلى ربه، وأن يثق به، ويتوكل عليه، ويعلم أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، كما قال عز وجل: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
في وقت للهجرة ، يظهر دور الشباب العظيم في دعم الحقيقة ويتجلى ذلك بوضوح في تصرفات علي بن أبي طالب رضي الله عنه. في ليلة الهجرة، كان علي جاهزًا للنوم في فراش النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يخاف من الموت، وكان على استعداد للتضحية بحياته من أجل حماية حياة الرسول.
كان هناك شاب آخر بارز في فترة الهجرة، وهو عبد الله بن أبي بكر. كان يستمع إلى أخبار قريش وينقلها إلى النبي محمد وأبي بكر، وعامر بن فهيرة، الذي كان عبدًا لأبي بكر، كان يرعى قطيع الغنم لأهل مكة. في المساء، كان عبد الله بن أبي بكر وعامر يقومان بإطعام وذبح الغنم، وفي الصباح، كان عبد الله يتبع أثرهما مع الغنم إلى مكة لكي يعيدها.
في فترة الهجرة، تبرز أهمية الأمانة وإعادة الحقوق إلى أصحابها. كانت قريش تخطط لقتل النبي محمد في مكة، ومع ذلك، لم ينسَ النبي أن يوكل علياً برد الودائع التي وُضعت في رعايته قبل هجرته.
عباد الله : الأمة بحاجة مُلحَّة إلى الاستفادة من دروس الهجرة النبوية، وأنَّ المسلمين الأوائل صنعوا تاريخًا مشرفًا، وهو ما يوجب على الأجيال الحالية استلهام روح آبائهم وأجدادهم لتقديم نموذج حضاري متميز يحتذى فقد تركت الهجرة المباركة آثارًا جليلة على حياة المسلمين، ليس فقط في عصر النبوة، ولكنها امتدت لتشمل كل عصر ومصر، بقيمها الأخلاقية والتشريعية التي تنظم حياة الفرد والأسرة والمجتمع، وسيرته عليه الصلاة والسلام هي القدوة والأسوة الحسنة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
بارَكَ الله لي ولَكم في القرآنِ والسنة ونفعني وإيّاكم بما فيهِما منَ الآيات والذكر والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفِر اللهَ العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي يكفينا ويستجيب لمن يدعو، وبعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله. علموا أيها العباد أن الهجرة الحقيقية هي هجرة القلوب إلى الله تعالى وتحقيق الإخلاص في التوجه إليه سرًا وعلانية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من كانت هجرته إلى الله ورسوله، فإن هجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لشهوة يلتمسها أو امرأة ينكحها، فإن هجرته إلى ما هاجر إليه”. وهذا متفق عليه.
من أشكال الهجرة أيضًا هجرة ما يعبد من دون الله، كما قال الله تعالى: “واهجر الرجس”. ومنها هجرة العصاة، وتجنب مخالطتهم، كما جاء في القرآن: “واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرًا جميلًا”، وهذا هو الهجرة الحسنة التي لا يوجد فيها لوم. وهجرة الذنوب والمعاصي، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “المسلم هو من تجنبته المسلمون لسانه ويده، والمهاجر هو من هجر ما نهى الله عنه”. وهكذا، يكمن الهجرة في ترك الشر والابتعاد عنه، وطلب الخير ومحبته، وهذه هي من أفضل الأخلاق التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتتحقق.
يا الله، نرجو رحمتك وندعو إليك، فارزقنا فضلك، وأنعم علينا بنعمك، واقبل صلواتنا، وزدنا حسناتنا، واغفر لنا سيئاتنا، ورفع درجاتنا، يا رب العالمين.
3 صيغة خطبة حول هجرة النبي محمد صلى الله عليه و سلم الى المدينة المنورة:
الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله – فإنها وصية الله لكم وللأولين والآخرين، واعلموا أن التقوى أن يُطاع فلا يعصى، وأن يُذكر فلا ينسى، وأن يُشكر فلا يُكفر. اتقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت، وهم لا يُظلمون. [البقرة: 281]
عِبادَ اللَّهِ، عام هجري جديد أقبل علينا ونستعِد لاستقباله، وفي هذا العام نتذكر حدثًا عظيمًا، حدث نصر الله به الدين، وحدث أعلى الله به كلمته، حدث غيّر وجه الكون؛ إنه حدث الهجرة العظيمة، هجرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. لم تكن الهجرة أولى فضائله عليه الصلاة والسلام؛ ففضائله أكثر من أن تحصى، حيث بدأت أحداث تلك الفضائل حين جاء إبراهيم بزوجته ومعها ابنها الرضيع إسماعيل ووضعهما عند البيت الحرام. ولم يكن في مكة يومها أحد ولا ماء، فدعا إبراهيم رافعًا يديه بهذه الدعوات: “ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون.”
ثم بنى إبراهيم وابنه إسماعيل الكعبة، وقاما بتركيب القواعد للبيت، وتزوج إسماعيل من قبيلة جرهم، إحدى القبائل العربية، حيث تعلم منهم اللغة العربية. ولكن الله ألهمه بفصاحة اللغة ووضوح البيان، فأصبح أبو العرب، جد محمد صلى الله عليه وسلم.
مرت الأيام على بيت الله، وشهدت استقامة إسماعيل وتوحيده الله، حيث أدى الحج دون أن يشرك بأي شيء، لكن جاء الفاسد عمرو بن لحي فبدأ يروج للشرك في أرض مكة وفي قلوب أهلها. فامتلأت مكة بالأصنام والشرك، وأصيبت الكعبة بما وضع عليها من الأوثان، وانحرف بنو إسماعيل عن توحيد ربهم.
من بينهم عبد المطلب، الذي كان زعيمًا وشريفًا، وكان يحلم بوجود عشرة أبناء، فنذر إذا تحققت هذه الرغبة أن ينحر أحدهم، ولما تحققت رغبته، اضطر أن يختار أي منهم سينحر. ووقعت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب، ولكن والده -بعد مشاورات مع سادات قريش- فداه بمئة إبل.
نشأ عبد الله كطفل وديع في قلب عبد المطلب، ووصل إلى سن الرجولة من دون أن يعرفه شعبه بسوء السلوك، حتى تزوج آمنة بنت وهب بن عبد مناف. ولم يكن هذا الشاب يعلم أن القضاء أقوى منه ومن فدية أبيه، فعندما فرّ عبد الله من الموت بفدية مئة إبل، ركب راحلته واتجه نحو يثرب ليجد الموت في انتظاره، ليُدفن في إحدى مقابرها بعيدًا عن أهله. وَعَنْ زَوْجَتِهِ الْحَزِينَةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْمِلُ أمَانَتَهُ جَنِينًا تَيَتَّمَ قَبْلَ أَنْ يَرَى الدُّنْيا، يَبْكِيهِ أَبُوهُ عَبْدُالْمُطَّلِبِ الَّذِي وَدَّ أَنْ لَوْ أَخْبَرَهُ أحَدٌ بِأَنَّ وَلَدَهُ عبدَاللهِ لَمْ يَمُتْ، تَبْكِيهِ زَوْجُهُ الَّتِي كَانَتْ تَنْتَظِرُ عَوْدَتَهُ بِفَارِغِ صَبرِهَا.
ظل الحزن يخيّم حتى حل بقريش بلاءٌ لا مفر منه، إذ مكّة في ذلك الوقت كانت تعاني تحت وطأة فيل مخيف وجيش ضخم يتجه نحو هدم بيت الله الحرام. وقد انتشرت الهلع والفزع بين أهل مكة، فظهر “أبرهة الأشرم” ملك اليمن، متطلعًا إلى هدم بيت الله الحرام تحت أقدام أهل مكة. ومع ذلك، أمطرهم الله بريحٍ من طيور الكركي، حيث ألقوا عليهم حصىً من صخر متماسك، فجعلهم كعصفٍ منسيًّا.
في تلك اللحظة، كانت آمنة تلد طفلها الأمي، في العام الذي شهد حادثة الفيل، وحيدًا بدون أب ينتظر قدوم المولود.
ولُد الطفل اليتيم الذي أضاء الدنيا بالفرح والسرور، وكان هذا الطفل هو من دعم التصرف الإنساني والأخلاق في البشر، ولقد ولد اليتيم الصغير الذي قاد الناس من ظلمات الشرك إلى نور الهداية والحقيقة.
لَقدْ وَلَدَتْ آمِنَةُ بِنتُ وَهْبٍ وَلَدَهَا: مُحمَّدَ بنَ عَبدِاللهِ بنِ عَبدِالمُطَّلبِ.. فأَشْرَقَتْ شَمسُ البَشَريَّةِ مِن جَديدٍ، وعَادَ التَّاريخُ ليُكْتَبَ مِن جَديدٍ، واسْتشرَفَ الكَونُ لنِظامٍ جَديدٍ، إنَّه نِظامُ الحَقِّ والرَّحمَةِ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾.
ولد الطفل وحيدًا بدون أب، ثم ماتت أمه وهو في السادسة من عمره، وفيما بعد توالت وفيات جده المنافق، ثم عمه المدافع، وزوجها الحنون. كل هذا ليتمكن الطفل من تبرأة قلبه من أقوال الآباء والأجداد، ويقول: “ربي ربي”، حيث انقضت كل الأمور التي كان يعتمد عليها، فبقي ربه الذي قال: “أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى”. بعد نضجه، كان نبينا صلى الله عليه وسلم يشتاق لأمه حتى بعد كبره، وطلب إذنًا من ربه لزيارة قبرها فوافق، ووقف عند قبرها بحزن يملؤ قلبه الأسى والحزن على فراقها.
ومَا إِن بَلَغَ أَربعِينَ سَنةً حتَّى نَزلَ عَليهِ مَخلُوقٌ غَريبٌ في مَكانٍ بَعيدٍ، لا يَعرِفُ مَن هُوَ ولا مَاذَا يُرِيدُ، إلاَّ أنَّهُ سَمِعَ مِنهُ قَولَهُ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 – 5]، وخَافَ علَى نَفسِهِ، لكِنَّ زَوجَتَهُ تَعرِفُ أَخلاَقَهُ وتَعرِفُ أنَّ اللهَ لا يُضيِّعُ مِثلَهُ، فتقول: (وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ)، لِيَسْمَعَ مُحَمَّدٌ مِنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الْبِشارَةَ بِأَنَّ هَذِهِ نَوَامِيسَ النُّبُوَّةِ، وَلِيُشْرِقَ فَجْرٌ جَدِيدٌ، فَجْرُ الإِسْلامِ، لَكِنَّ وَرَقَةَ قَالَ لَهُ كَلِمَةً كانَ لَهَا وَقْعُهَا الشَّديدُ عَلَى نَفْسِهِ، لَقَدْ أَخْبَرَهُ بِيَقِينٍ أَنَّ قَوْمَهُ سَيُخرِجُوهُ مِنْ بَلَدِهِ وسَيُؤذُونَهُ أَذىً شَدِيدًا.
يبدأ عصر الابتلاء والأذى من قبل قوم النبي الجديد الذي دعاهم إلى توحيد الله وحده بالعبادة، ولكنهم كذبوه وأذوه وطردوه. تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لابتلاء عظيم لم يُعانيه أحد غيره، فابتلاه الله بقضائه وقدره، وابتلاه الله بقومه وأذاهم.
وابتلاء الكفار والمنافقين فقَدْ أَخْرَجُوه مِنْ كُلِّ مَا يَمْلِكُ، تَرَكَ بَيْتَهُ وَبَلْدَتَهُ الْبَلَدَ الْحَرامَ، تَرَكَ السَّمَاءَ الَّتِي نَشَأَ تَحْتَهَا وَالأرْضَ الَّتِي مَشَى عَلَيهَا، تَرَكَ بنَاتَهُ وَأَمْوَالَهُ، لِيَخْرُجَ مُتَخَفِّيًا بَاكِيًا نَاظِرًا إِلَى مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: “وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ”. فهَاجرَ صلى الله عليه وسلم إلى المَدينةِ تَاركِاً خَلفَه مَا يُحِبُّ.. هَاجَرَ إِلى المَدينَةِ فَاستَطَاعَ أَن يُقِيمَ بنَاءَ الإِسلامِ، هَاجَرَ إِلى المَدينَةِ فَأَعلَى صَرحَ التَّوحيدِ، هَاجَرَ إِلى المَدينَةِ فتَركَ لنَا دَولةً امتَدَّتْ بَيدِ أَصحَابِهِ مِن أَقصَى الأَرضِ إلى أَقصَاهَا، ومِن أَدنَاهَا إِلى أَدنَاهَا، وهذَا مِن فَضلِهِ صلى الله عليه وسلم على أمَّتِهِ، أَنْ يَبذُلَ لأجلِهِمْ، وأَن يُضَحِّيَ لِهدَايتِهِم
هذه الهجرة التي برّك الله بها الكون، ونصر بها الأمة، وهذا رسولكم صلى الله عليه وسلم الذي تعب وضحى وبذل من أجلنا، فاللهم اجزه عنا خير الجزاء. الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمداً، والشكر له أبداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمداً نبيه وعبده.
أيها المسلمون هذه نُبذات ولمحات عابرة من حياة حبيبكم صلى الله عليه وسلم، ولن نستطيع أن نوفيه حقه مهما تكلمنا. فهو الذي بذل الغالي والنفيس ليصل إلينا هذا الدين. هو الذي صبر على الأذى لأجل أن يرى أمة معتصمة بحبل الله. هو الذي بذل الجهد الجهيد لأجل أن يرى أمة مجتمعة على كتاب الله وسنة رسوله.
فأين نحن من سنته وهديه ومحبته، ليتفقد كل منا نفسه وليحاسبها حساباً شديداً؟ أفيقوا بنا بعد هذا أن نترك سنته لضلال غيره؟ أفيقوا بنا بعد هذا أن نتبع الهوى ونترك متابعته؟ أفيقوا بنا بعد هذا أن نسير على نهج غير نهجه؟
إذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوه وصاحبوه في الحضر والسفر، وعاملوه وصلوا وراءه وجاهدوا تحت لوائه، وكانت محبتهم له أعلى وأسمى، وتوقيرهم له أوفى وأكمل، وتعظيمهم له أشد وأقوى… أفلا يجب علينا أن نحبه صلى الله عليه وسلم كحبهم، ونرغب فيه كرغبتهم، ونتبعه كاتباعهم؟ لماذا لا نفضل نبينا صلى الله عليه وسلم فوق النفس والولد؟ لماذا لا نقدمه فوق الآباء والأمهات؟ لماذا لا نسعى لامتثال طاعته واتباع هديه؟ لماذا لا نكرم سنته ونتبع طريقته؟ أهل تعلمون أحدًا أعظم من محمد صلى الله عليه وسلم؟
فلنتق الله ولنحرص على طاعته جل وعلا واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فلنتق الله ولنعمل ما يؤكد محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فلنتق الله ولندرك أننا مسؤولون بين يدي ربنا عن متابعته صلى الله عليه وسلم.
نرجو أن نكون قد وفرنا المعلومات الكافية حول 03 نماذج خطبة جمعة عن الهجرة النبوية الشريفة لمزيد من التوضيحات حول هذا الموضوع تواصل معنا من خلال التعليقات.